وطن- تشهد مواقع التواصل الاجتماعي ضجة وجدلا كبيرين منذ، الخميس، الماضي حيث أفرجت إسرائيل عن أرشيفها السري الكامل، لحرب 6 أكتوبر عام 1973، مع مصر وسوريا، بعد 50 عاما على اندلاعها.
وسبق للأرشيف الإسرائيلي أن نشر في سنوات ماضية وثائق عن الحرب، لكنه أوضح أن المجموعة الجديدة هي المتكاملة، موضحا أن حرب أكتوبر ـ أو حرب يوم الغفران كما تسمى في إسرائيل ـ شهدت مقتل نحو 2656 جنديا إسرائيليا، إضافة إلى أسر المئات وإصابة أكثر من 7200 جندي ومدني.
الوثائق الكاملة المنشورة التي أفرج عنها الموساد بعد 50 عاما، تطرق بعضها إلى جوانب من اللقاء الذي كُشف عنه منذ سنوات والذي جمع ملك الأردن الراحل الملك الحسين بن طلال، برئيسة وزراء إسرائيل غولدا مائير قبل حرب أكتوبر، وإخباره لها عن النوايا المصرية السورية لشن تلك الحرب.
ملك الأردن الراحل التقى جولدا مائير قبل حرب أكتوبر
وبحسب ما نقلته صحيفة “هارتس” العبرية، فإن هذا اللقاء جرى في الـ25 من سبتمبر 1973، أي قبل أيام من اندلاع الحرب، حيث عقد في منشأة للموساد خارج تل أبيب وجمع رئيسة الوزراء الإسرائيلية غولدا مائير وقيادات بالموساد وعسكريين مع العاهل الأردني الراحل الملك حسين.
وزعم تقرير الصحيفة العبرية أن الملك حسين، هو من طلب اللقاء، حيث أراد أن يكشف لإسرائيل معلومات استخباراتية حول نوايا سوريا شن حرب لاستعادة مرتفعات الجولان، التي استولت عليها إسرائيل في حرب الأيام الستة عام 1967.
وبحسب الوثائق المنشورة، فإن الملك حسين حذر جولدا مائير من اندلاع الحرب، لكن دايان قدر أن المملكة من الشرق ستنضم للحرب، وقد يقع الملك تحت ضغط شديد من المصريين لأنهم بحاجة شديدة إليه، بحسب الوثائق.
من جهته، ذكر مدير مكتب رئيسة الحكومة إيلي مزراحي أنه “في يوم 25 سبتمبر، قبل أسبوعين من اندلاع الحرب، عقدت غولدا لقاء مع (ليفت) وهو لقب الملك حسين، الذي أبلغها أنه علم من مصدر حساس للغاية أن جميع الاستعدادات والخطط المتعلقة بالعملية السورية اكتملت، وأن الوحدات موجودة في مواقعها لمدة يومين، بما يشمل سلاح الجو والصواريخ، والاستعدادات المذكورة متخفية في شكل تدريب”.
وأضاف مزراحي: “سألته غولدا عما إذا كان ممكنا أن يقوم السوريون بالهجوم بدون التعاون الكامل من المصريين، فأجاب الملك بأنه لا يعتقد أنهم لن يتعاونون، وفي نهاية اللقاء مع (ليفت) اتصلت غولدا بديان وأبلغته بحديث الملك عن احتمال الحرب”.
ألقاب الملك الحسين لدى الموساد
الأرشيف الإسرائيلي يزعم أن “ليفت” لم يكن الاسم الرمزي الوحيد للملك حسين، ففي برقية أرسلها المدير العام لمكتب رئيس الوزراء مردخاي غازيت، إلى سفير إسرائيل في واشنطن سيمحا دينيتز في حزيران/ يونيو 1973، يظهر لقب آخر للملك وهو “ينوكا”، ويعني طفل بالعبرية، إشارة إلى أن الملك جرى تنصيبه قبل بلوغه سن الـ18.
وجاء في البرقية أن “ملك الأردن أكد للأمريكيين أن شرط أي اعتبار في منحه مساعدات من الدول العربية هو موافقته على نقل قيادة جيشه للقادة المصريين والسوريين، لكن القوات العسكرية الأجنبية لن تدخل الأردن إلا بعد الحصول على موافقة أردنية مسبقة على مصيرها وموقعها، وسيتم تشغيلها تحت قيادة أردنية، وعلى عكس حرب 67، فالأردن لن تنضم للحرب”.
ونوهت الوثائق إلى أن آخر مراسلة بين الملك حسين وغولدا مائير جرت عشية الحرب، وقبل ساعات فقط من اندلاع القتال، وعبر فيها العاهل الأردني عن تخوفه من دخول جيوش عربية إلى المملكة.
الأرشيف الإسرائيلي ووثائق خطيرة
وتابع مزراحي: “عديدة هي الاعترافات الإسرائيلية التي سنقرأها في قادم الأيام وما زالت حتى اللحظة محتفظا بالعديد منها في أرشيف دولة الاحتلال، بما فيها سجلات الأحداث في مكتب رئيسة الحكومة، والمحادثات والمشاورات مع المسؤولين السياسيين والعسكريين، وملخصات الاجتماعات، ومحاضر الجلسات الحكومية”.
وأشار إلى أن “جميع تلك الاعترافات مكتوبة بخط اليد، حتى أصبحت قراءتها صعبة للغاية، لأن خمسين عاما مرت على تدوينها، ولعل هذا التوثيق يكشف خطورة تلك الأحداث ساعة بساعة، والحاجة لتوثيقها، لأنه يقدم لمحة نادرة عن عمليات صنع القرار”.
مع العلم أن مزراحي مدير مكتب غولدا احتفظ بآلاف الوثائق السرية، وهدد بنشر كتاب فيها، وكشف أسرار الدولة، وبدلاً من اتهامه بالتجسس والخيانة، فقد دفعت له دولة الاحتلال مبالغ ضخمة كرسوم لصمته، لكنه توفي في 2001، وحتى الآن، وفقًا لأرشيف الدولة، لم يتم نشر المذكرات الكاملة التي كتبها أثناء الحرب.
أشرف مروان وصور “الملاك”
وفي سياق آخر تضمنت الوثائق المرفوعة عنها السرية في إسرائيل، أول مجموعة أدلة على أن صهر الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، وسكرتير الرئيس الراحل محمد أنور السادات، أشرف مروان، عمل جاسوساً لإسرائيل وحذّرها من شن مصر وسوريا حرباً في موعد أقرب لوقت الضربة الفعلية، بما في ذلك صورتان لمروان والضابط المسؤول عنه ووثيقتان تبرزان تحذيره تل أبيب ضد ضربة مصرية سورية وشيكة.
وتصر مصر على أن مروان كان عميلاً مزدوجاً وعنصر محوري في عملية “خداع إستراتيجي” لإسرائيل قبيل الحرب، فيما تشدد الرواية الإسرائيلية بانتظام على أنه كان “أفضل وأهم جاسوس لإسرائيل في مصر والمنطقة العربية”.
وزعمت وسائل إعلام عبرية أن مروان، أو “الملاك” كما يلقب في إسرائيل، هو الذي تطوّع وعرض خدماته للموساد عام 1970، فيما رحب الجهاز الاستخباراتي بذلك كون “جميع البريد” الموجه للرئيس المصري السادات يمر بمكتبه قبل أن يصل للرئيس، ولأنه “مسؤول عن نقل تعليمات رئيس الجمهورية لجميع الأجهزة الحكومية”، ولأن مروان احتفظ بعلاقات وثيقة مع قادة في مختلف قطاعات الجيش المصري.
وتشير وثيقة أفرج عنها، الخميس الماضي، إلى أن مروان طلب يوم، 4 أكتوبر 1973، لقاءً عاجلاً في اليوم التالي مع الضابط المسؤول عنه، والذي لم تكشف هويته بعد واكتفى الموساد بتسميته “دوبي”، ورئيس الموساد آنذاك تسفي زامير أيضاً إن أمكن لأمر شديد الأهمية.
عقد اللقاء بالفعل في لندن بحضور رئيس الموساد، وحذر مروان من حرب وشيكة على الجبهتين المصرية والسورية “مساء السبت” أي اليوم التالي الموافق للسادس من تشرين الأول/ أكتوبر 1973، وعاد ورجح أن الحرب ستندلع في تمام الساعة الرابعة عصراً. اندلعت الحرب بالفعل في اليوم عينه لكن في تمام الساعة الثانية ظهراً.
ورد في الوثيقة أن مروان أخبر زامير: “بنسبة 99%، ستندلع الحرب غدا، بشكل متزامن على الجبهتين المصرية والسورية”. وحين سأله رئيس الموساد: “لماذا غداً”، رد مروان: “لأن هذا هو ما تقرر… ولأنه يوم كبير بالنسبة لكم”.