مراهقو العصر الجليدي: رحلة عبر الزمن
في عالم مليء بالأسرار، يواصل علماء الآثار إبهارنا باكتشافاتهم المذهلة. فقد أظهرت دراسة جديدة هياكل عظمية لمراهقين عاشوا في قارة أوروبا منذ ما بين 10,000 و30,000 عام. هذا البحث يُظهر أن معظم هؤلاء المراهقين قد بدؤوا مرحلة البلوغ في أعمار مشابهة لتلك التي يعيشها البشر اليوم. ومع ذلك، يكتشف العلماء أن بعض الأفراد كانوا يعانون من تأخر في النضج الجسدي، وهو ما قد يُعزى إلى ظروف حياتهم القاسية والمليئة بالتحديات.
استكشاف أعماق التاريخ: تفاصيل الدراسة
تمكنت مجموعة دولية من الباحثين من دراسة 13 هيكلًا عظميًا لمراهقين تم العثور عليهم في سبعة مواقع أثرية مختلفة في إيطاليا وروسيا وجمهورية التشيك. وقد نُشرت نتائج هذه الدراسة المثيرة في 12 سبتمبر في مجلة Journal of Human Evolution. اعتمد الباحثون على "علامات النضج" في الهياكل العظمية لتحديد مراحل البلوغ المختلفة التي مر بها هؤلاء الأفراد خلال العصر الحجري القديم العلوي.
يوثق الحياة اليومية للفراعنة… علماء الآثار في مصر يكتشفون 18 ألف لوحة فخارية
كيف يمكن للهياكل العظمية أن تكشف عن مراحل البلوغ؟
يولد الأطفال بعدد أكبر من العظام مقارنة بالبالغين، حيث تمر العظام بعمليات النمو والاندماج خلال مرحلة الطفولة والمراهقة، حتى تصل إلى العدد النهائي عند سن 18 إلى 25 عامًا. يستطيع علماء الآثار استخدام هذه المعلومات لتحديد عدة مراحل في البلوغ، منها:
- طفرة النمو الكبرى: حيث يحدث نمو سريع في الطول والكتلة.
- بداية الدورة الشهرية: عندما تبدأ بعض العظام في الاندماج.
- النضج الجنسي الكامل: عندما تكتمل عملية اندماج العظام.
اكتشافات مثيرة حول مراهقي العصر الجليدي
استطاع الباحثون تحديد مراحل البلوغ لـ 11 من أصل 13 فردًا من تلك الحقبة. أظهرت النتائج أن هؤلاء المراهقين شهدوا طفرة في النمو بين سن 13 و16 عامًا، وهو ما يتماشى مع النطاق العمري للمراهقين في المجتمعات الحديثة التي تعتمد على الصيد وجمع الثمار، والتي تتراوح بين 12.5 و14 عامًا.
كما أن مراهقي العصر الجليدي بلغوا مرحلة النضج بين سن 16 و21 عامًا، مما يشير إلى أنهم قضوا فترة أطول في مرحلة المراهقة مقارنة بالمراهقين في المجتمعات الغربية اليوم، الذين يصلون إلى النضج بين 16 و18 عامًا.
آراء الخبراء: ما وراء الأرقام
ماري لويس، المؤلفة الرئيسية للدراسة وخبيرة الآثار الحيوية في جامعة ريدينج بالمملكة المتحدة، أكدت في تصريح لـ Live Science: “بينما ليس من المفاجئ أن البشر القدماء مروا بنفس مراحل النمو، إلا أن المدهش هو أنهم بدأوا البلوغ في أعمار قريبة، حوالي 13.5 عامًا. هذا يشير إلى وجود ‘مخطط جيني محتمل لبداية النضوج الجنسي البشري”.
وتبقى ليلة الحلقة 33
كما أوضحت أبريل نويل، عالمة آثار العصر الحجري القديم في جامعة فيكتوريا بكولومبيا البريطانية، أنه يوجد اعتقاد خاطئ بأن المراهقين اليوم يدخلون سن البلوغ في سن مبكر. وقالت: “ما نراه هو أن نمط المراهقة لم يتغير كثيرًا على مدى آلاف السنين”.
أهمية الدراسة في فهم تطورنا البشري
تُعتبر دراسة مراحل البلوغ عند المراهقين في العصور القديمة أمرًا حيويًا لفهم التنوع الفردي في النمو والمعاني الثقافية للمراهقة في المجتمعات السابقة. قد توفر هذه الأبحاث رؤى حول كيفية تعامل المجتمعات القديمة مع المراهقين وما إذا كانوا يتلقون معاملة خاصة.
شارون ديويت، عالمة الأنثروبولوجيا البيولوجية في جامعة كولورادو بولدر، أشادت بالدراسة قائلة: “أنا متحمسة للغاية لرؤية هذه الورقة البحثية، حيث يعمل المؤلفون على تعميق فهمنا لتوقيت البلوغ قبل عشرات الآلاف من السنين”.
حالة خاصة للتقزم في العصر الجليدي
من بين الأفراد الذين تم دراستهم، وُجد شخص من موقع روميتو في إيطاليا يُعتبر أقدم حالة معروفة من التقزم الغضروفي. توفي هذا الفرد عن عمر 16 عامًا، لكن نموه كان متأخرًا مقارنة بالذكور الآخرين من تلك الفترة. قد يكون قصر قامته وتأخر نضجه سببًا في أن مجتمعه اعتبره طفلًا بدلاً من أن يُعتبر بالغًا، مما قد يُفسر دفنه بشكل خاص في أحضان امرأة أكبر سنًا.
تطلعات مستقبلية: دراسة إنسان نياندرتال
أشارت ماري لويس إلى أن أحد الاستخدامات الممكنة لهذا النوع من الأبحاث هو تقييم عملية البلوغ لدى إنسان نياندرتال، لمعرفة ما إذا كانوا يتقدمون إلى مرحلة النضج بنفس الطريقة. وأضافت أبريل نويل: “في النهاية، يمكن أن تُساعد هذه الأبحاث في الإجابة على أسئلة تتعلق بالبنية الاجتماعية، وديناميكيات السكان، وحتى أسباب انقراض إنسان نياندرتال”.
تُقدم هذه الدراسة نظرة عميقة على تطور الإنسان وتساعدنا في فهم كيفية تأثير العوامل البيئية والثقافية على نمو البشر في العصور القديمة. من خلال دراسة الهياكل العظمية للمراهقين القدماء، يفتح العلماء أبوابًا جديدة لاستكشاف تاريخنا البشري وفهم كيفية تطورنا عبر الزمن.