-

الملك فيصل يهدد الأمير فهد بتجريده من مناصبه

الملك فيصل يهدد الأمير فهد بتجريده من مناصبه
(اخر تعديل 2024-09-09 15:42:53 )

وطن- في شهر اكتوبر من عام ١٩٧٤، وفي خضم اعمال وعقد اجتماعات “اللجنة الأمريكية السعودية المشتركة للتعاون الاقتصادي” والتي شكلها وزير الخارجية الأمريكية هنري كيسنجر لتأسيس علاقة جديدة مع السعودية ولكن من خلال قناة خلفية، حيث تم تأسيسها مع جناح الأمراء السديريين بقيادة الأمير فهد، وبعيدا عن الملك فيصل ووزير خارجيته عمر السقاف، حدث لكيسنجر ما لا يحمد عقباه، فحصانه الذي راهن عليه، سقط في حفرة!.

ففي ١٤ أكتوبر من عام ١٩٧٤ انفجرت فضيحة كبرى في فرنسا، كان بطلها الأمير فهد واثنين من اشقاءه، حيث قادهم “عدنان خاشقجي” إلى ليالي حمراء غاية في الشذوذ في مدينة “كان” الفرنسية ورتب لهم حفلات عربدة وعلاقات نسائية ولعب قمار في نواديها، وتمكنت الصحافة من التقاط صور لهم في نادي للفمار حيث خسر فهد في احد النوادي وفي ليلة واحدة ٦ ملايين دولار، كما تم دفع ملايين أخرى من أجل إسكات الصحافة، ويقال أن مبلغا ضخما دفع لأسرة فرنسية لاسكاتها بعد تعرض طفلتها للاغتصاب.

عدنان خاشقجي أحد أشهر القوادين وتجار السلاح في التاريخ، بدأ عمله مع فهد ومن ثم مع بقية افراد الأسرة الحاكمة السعودية .
عدنان خاشقجي أحد أشهر القوادين وتجار السلاح في التاريخ، بدأ عمله مع فهد ومن ثم مع بقية افراد الأسرة الحاكمة السعودية .

وعندما وصل الخبر للملك فيصل استدعى الأمير فهد حالا وهدده بأنه سيجرده من كافة مناصبه، كان عمر السقاف قد وضع الملك فيصل في صورة ما حدث في مدينة “كان” في فرنسا.

هنا أصيب هنري كيسنجر بالخوف على مصير الأمير فهد والذي كان قد اعده ليكون فارس العلاقة الأمريكية- السعودية الجديدة، فكتب إلى سفيره في الرياض جيمس اكينز يطلب منه أن يحاول عبر بعض الشخصيات السعودية، جس نبض الملك فيصل فيما يريد أن يقوم به مع فهد بعد هذه الفضيحة.

ولكن كيسنجر لم ينتظر الرد بل سافر إلى السعودية بتاريخ ٦ نوفمبر ١٩٧٤ والتقى بالجهتين: الملك فيصل وعمر السقاف وجهة جناح الأمراء السديريين، وقام بتهدئة الأمور “حتى يكتب الله شيئا ما!”!.

ورغم زيارة كيسنجر الا ان السفير الأمريكي جيمس اكينز ارسل تقريره بتاريخ ١٣ نوفمبر من عام ١٩٧٤ – قبل اغتيال وزير الخارجية السعودي عمر السقاف بالسم في نيويورك بيومين- إلى كيسنجر بعنوان “وضع الأمير فهد” وتحت رقم (1974- JIDDA- 06648-b) يقول فيه: أن المجلة الباريسية “ليكسبريس” حملت في عددها المؤرخ في ١٤ – ١٠- ١٩٧٤ فضيحة فهد وعنونت خبرها ” الملك فاروق الجديد” وتحدثت عن عدنان خاشقجي الذي وصفه السفير الأمريكي اكينز بأنه “قواد الأمير فهد”، كما يكشف السفير أن الخبر ورد أيضا في مجلة التايم وفي صحف بريطانية والمانية، وأنها منعت من الدخول للمملكة، ويقول إن الملك فيصل مستاء جدا لما حدث خاصة وأن الفضيحة وصلت لوسائل الإعلام، ثم يستعرض السفير الأمريكي رأي وزير النفط السعودي احمد زكي يماني والذي قال للسفير الأمريكي أنه كان يعتقد أن الأمر سيأخذ سنتين حتى يعود الأمير فهد لوضعه الطبيعي بعد الفضيحة، لكنه يعتقد الآن انه لن يكون كذلك.

ويقول انه حين حاول جس نبض الملك فيصل حين اجتمع به لوحده، فبمجرد أن ذكر اسم فهد، بدأ الملك فيصل بشن هجوم عليه ووصف فهد بالأحمق وفضيحته بالخرقاء، كما شن هجوما مماثلا على عدنان خاشقجي الذي رتب لفهد متعه في مدينة “كان”، لكن يماني ذكر للسفير أنه لا يعتقد أنه سيجرده من مناصبه. مع تأكيد زكي يماني من ان من عادة الملك فيصل أنه لا يخوض حتى للمقربين منه في فضائح الأسرة الجنسية، لكن الأمر بلغ حده كما يبدو.

وختم السفير الأمريكي اكينز تقريره بأن فهد بعد قطعه لزيارته لفرنسا بعد الفضيحة، يقيم في قصره لكنه لا يعرف عما عما اذا كان سيتخلص من “فالستاف” ويتحول من الأمير هال إلى الملك هنري الخامس؟!.

صورة للأمير فهد أثناء زيارته لفرنسا عام ١٩٧٤ والتي لم تكتمل
صورة للأمير فهد أثناء زيارته لفرنسا عام ١٩٧٤ والتي لم تكتمل

(هنا يتمثل السفير الأمريكي بمسرحيات شكسبير ولرمز “فالستاف” الذي ادخل الأمير هنري “هال” في عالم الإجرام والمتع الجنسية والعالم السفلي، قبل أن يتخلص الأمير من فالستاف ويصبح ملكا جيدا “الملك هنري الخامس”).

كانت الفضيحة كبيرة لدرجة أن الملك المغربي الحسن الثاني عرض على فهد بناء مجمع قصور له ولبقية الأمراء السعوديين في المغرب ليفعلوا ما يحلو لهم بعيدا عن عيون الصحافة الغربية. “ولا من شاف ولا من دري”، خاصة أنها لم تكن الفضيحة الأولى التي تفجرها الصحافة، ففي عام ١٩٦٢ حدث نفس الشيء ومع الأمير اللعوب فهد نفسه ولكن في مونت كارلو وكانت حديث الصحافة آنذاك.

كما تقدمت اسبانيا فيما بعد بنفس العرض، والذي وافق عليه، حيث أقام فهد منتجعا خياليا له في الجنوب الفرنسي وتحديدا في “ماربيا”، أو مربلة وهي المنطقة التي اتخذها المسلمون كأحد أهم الثغور لحماية الأندلس عندما تم فتحها حيث أقيم فيها أكبر حصونهم.

في هذا الوقت بالذات يبدو ان الملك فيصل قد استسلم تماما بعد أن ظل مسيطرا على الحكم كل الفترة دون منازع، فجناح الأمراء السديريين ظهرت قوتهم واصبحوا أكثر تحديا بعد أن ضمنوا تأييد هنري كيسنجر التام لهم، وفي نفس الوقت بدأ الملك فيصل يستلم الاكفان لاقرب شخصيتين كان يعتمد عليهما في مواجهة تحديات هذه المرحلة وقد وعرفا بولائهم التام له، الأول عمر السقاف وزير خارجيته الذي تم تسميمه في نيويورك في ١٤ نوفمبر ١٩٧٤ وتم الادعاء بأنه توفي بالجلطة الدماغية، وقبله بتسعة ايام أيضا استلم الملك كفن المحافظ انور علي رئيس مؤسسة النقد السعودي ولكن هذه المرة من واشنطن، والذي خدم فيصل لمدة ١٦ سنة وقدم له نصائح اقتصادية ثمينة خاصة اثناء حظر النفط وفيما يتعلق باستخدام عائدات النفط وأين مكان تأمينها، وتم الأدعاء أيضا ان توفي بالسكتة القلبية، كان في خضم اجتماعات مع خبراء ماليين عالميين، اتخذ فيها قرار اي البنوك العالمية التي ستتعامل معها مؤسسة النقد السعودية بخصوص عائدات مبيعات النفط، وقضايا عديدة على خلاف ما يجرى من مداولات في اجتماعات “اللجنة الأمريكية السعودية المشتركة للتعاون الاقتصادي” التي برئاسة الأمير فهد.

الامير فهد لم يكن محل هجوم الملك فيصل فقط. الملك خالد رغم ضعفه الشديد الا أنه لطالما انفجر ضده.
الامير فهد لم يكن محل هجوم الملك فيصل فقط. الملك خالد رغم ضعفه الشديد الا أنه لطالما انفجر ضده.

عندما بدأ الأمير فهد ببناء قصوره المترفة في السعودية، قال الملك فيصل للمحافظ انور علي “يبدو ان (ماليتنا) لن تكف هذه القصور”، فرد أنور علي “فجرها يا جلالة الملك”!.

بعد أن دفن محافظه انور علي “باكستاني الأصل”، فتش لوقت طويل وفي عدة دول عن شخصية تستطيع أن تسد مكانه لكنه لم يجد، حتى ان مصر عرضت عليه وزير مالية جمال عبدالناصر الناصر ولكن لم يقبله.
دخل الملك فيصل في عزلة رهيبة وحالة حزن نادرة، خاصة بعد احساسه بفقدان السيطرة لصالح الأخوة السديريين وبعد فقدان أقرب شخصيتين له في غضون تسعة ايام، والذي كان يعتمد عليهما بالكامل في تسيير شؤون الدولة سياسيا واقتصاديا، حتى أنه نادرا ما يتحدث مع أحد.

قال لابنه عبد الله الفيصل “لم أعد افرق بين البارد والحار”.

حاولت أسرته إخراجه من هذه العزلة الا أنها لم تستطع، فيبدو أنه بات على قناعة أن الدور عليه الآن.
في بداية عام ١٩٧٥ رأى الملك فيصل في المنام حلما ارعبه وأخبر به عمته، واورده “روبرت ليسي” في كتابه “المملكة”: كنت في دار قديمة من الطين مثل دار جدي التي تربيت فيها في الرياض فوجدت نفسي في قسم الحريم ففتحت الباب فرأيت جدتي لأمي، وأنا أتذكرها، وكذلك رأيت عمتي نورة التي تزوجت سعود الكبير، لم أدهش لرؤيتهن، مع علمي بأنهن جميعا متوفيات. رأيتهن جالسات معا يتحدثن بعضهن إلى بعض، ولكن كانت معهن امرأة أخرى لا أعرفها تتحدث إليهن كأنها من صديقات العائلة أو حتى من أفرادها، لكنني لا أعرف من هي.

وقفت عند الباب بعيداً عن المرأة “الغريبة” حتى رأتني جدتي فدعتني إلى الدخول وقالت ضاحكة: ادخل يا فيصل.. لا تخجل. ادخل هذه طرفة. ماذا بك؟ ألم تعرف أمك التي ولدتك؟ حان الوقت لتراها (توفيت والدته وعمره ستة اشهر). وشعرت بالخوف فجأة.