كتب: يوسف الطورة – مؤسف أن تبيت لبنان كلها ليلتها الأولى في “العتمة”، فرضتها نفاذ “البترول”، رغم ان حقل ” كاريش” للنفط والغاز لا يبعد سوى 4 كلم عن حدودها مع الأراضي المحتلة، وضمن مياهها الإقليمية، والمتنازع عليه مع كيان الاحتلال، وكأن قدر البلد أن يبقى غارقاً في دوامة الأزمات.
اليوم توقفت الكهرباء في جميع أنحاء البلاد بسبب نفاذ الوقود بما فيها كافة المرافق الأساسية، منها مطار رفيق الحريري الدولي والمرفأ، بعد خروج آخر مجموعة إنتاجية “قسراً”عن الخدمة، لتصبح البلاد كلها مع موعد حتمي مع “العتمة”.
“العرقلة والنكد السياسي” السائد أعاد للأذهان مجدداً القانون “1960” القابع في أدراج مجلس المحاصصة السياسية، واعني هنا مجلس النواب والذي حال دون إقراره، يعرفه اللبنانيون جيداً أكثر من غيرهم، وهو مشروع القانون الذي يخول وزارة الطاقة اللبنانية دفع ثمن شحنات “الفيول”، تمت عرقلته قصدا لغاية في نفس يعقوب، وخلفها تجارة السياسة بسطوتها ونفوذها، خشية أن ” تبور” سلعة تجار المولدات التي من مصلحتهم توقف شبكة الكهرباء، لتروج تجارتهم.
مع مساع رسمية لشراء النفط من الجيش أو السوق للحيلولة دون استمرار عتمة البلاد الشاملة التي فرضتها توقف كامل معامل الكهرباء، ثمة تخوف من “حقل الشوك” أو حقولها بالمعنى الأصح والأنسب للمرحلة، تبقى عين بيروت بعيدة عن النفط العراقي مجدداً، قبل إيجاد حلول لمعالجة المستحقات المالية المستوجبة لبغداد، بذمة الجانب اللبناني.
لبنان المنهك اقتصادياً، يعاني نهاية الحياة بعد أن فقدت العملة أكثر من 90% من قيمتها، وارتفاع البطالة إلى ثلاثة أضعافها مؤخراً، وتزايد الفقر بين السكان المنشغلون بالتزاحم على الضروريات الأساسية أن وجدت بوصفها ” ترف”، وحياة اختزلت فقط النجاة، لا يمكن التغافل ان المجتمع هناك على وشك الانهيار التام.
في لبنان يعاني السكان نقصا في النفط، والغاز يرغمون على دفع ثمنها أضعاف أن وجدت، يبقى ملف المياه كابوس يهدد السكان لتعرضه لمخاطر تهديد التوقف، المستشفيات هناك ليس أفضل حال من الخدمات الضرورية، لم تعد علاجات السرطان مكفولة، باختصار أصبح الناس يموتون من أمراض قابلة للعلاج والنجاة.
مجدداً مؤسف ما يحدث في بيروت عاصمة الثقافة وحاضنة المثقفين العرب، بمطابعها التي عرفناها من خلال المؤلفات والكتب، وحتى بعض صحف الدول العربية، وكتب طلاب مدارسها الحكومية الرسمية.
المحزن أن تبقى لبنان في مواجهة مستمرة مع التحديات، وهي التي فرضتها الكثير من الأحداث، و “العبث ” الإقليمي الطائفي والمحاصصة وسياسة الوكلاء، “وأنا هنا لا استثني أحدا”، للجميع حصته حتى وان كانت النسب متفاوتة.
في سنوات التيه والضياع، وسنوات وربما عقود عجاف، وسروال وقميص “قُدّ” من كل اتجاه، يقينا يخاصم لبنان “شلل”، يساندون القراصنة الجدد لنجاة قافلة لا ناقة لأهلها فيها ولا جمل، رغم اليقين لا تنجو بذات الطريق القافلة مرتين.
بيروت مهما طال يومهم سيأتي سيد الأيام أيامك، وللصابرين فيها على البلاء والابتلاء صلاة لا سجود فيها، تصلي ان الله رب لكل المصلين ادعوا لعل تعود فيها العقول مُبصرة ولو بعد طول انتظار، فلبنان “إيليا أبو ماضي” ما كانت ظالمة جاحدة حتى وان ظلمها ساسة الأكذوبة الكبرى.
رغم أنني من الجيل الحديث، يختصر مشهد لبنان من يعرفها جيداً حتى مع اندلاع الحرب الأهلية، كان للبلاد حياة حتى وهي تحت القصف أكثر من الحياة الآن.
- اقرأ أيضا: